اختصاصات المجلس الجماعي
من المعلوم أن المجلس الجماعي يعتبر الجهاز المحلي الأساسي لتدبير شؤون الجماعة، فهو الذي يختص في جميع القضايا المطروحة على المستوى المحلي، ولتحقيق ذلك فإنه يمارس اختصاصات واسعة، وهي اختصاصات تهم جانبين اساسيين : جانب يتعلق بمجموع النشاطات العامة، وجانب يتعلق بالنشاطات المالية والجبائية، وهذا ما سنتطرق إليه من خلال المطلبين الآتيين :
المطلب الأول : الاختصاصات العامة
في البداية، لابد من الإشارة إلى أن الجماعات القروية في ظل نظام 23 يونيو 1960 كانت تتمتع بنظام خاص بها، ومستقل عن نظام الجماعات الحضرية(1)، وقد أولى المشرع بموجب هذا القانون عناية خاصة لهذه الجماعات القروية، بحيث خول لها مجموعة من الصلاحيات التي تجعل منها الخلية الأساسية للتنمية القروية، وأسند لها بعض الاختصاصات التي تميزها عن الجماعات الحضرية، وخاصة في المجال الفلاحي.
في حين أخضع ظهير 30 شتنبر 1976 الصنفين لنظام واحد، وأصبح يتحدث عن الجماعة الحضرية والجماعة القروية، ولكن في ظل نظام موحد، وهكذا نص الفصل 30 منه على ما يلي : "يفصل المجلس بمداولاته في قضايا الجماعة، ويتخذ لهذه الغاية التدابير اللازمة ليضمن للجماعة المحلية كامل نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي...".
بمقتضى الفصل السابق، أصبح المجلس الجماعي يمارس مجموعة من الاختصاصات والصلاحيات من بينها :
* التصويت على الميزانية ودراسة الحساب الإداري والمصادقة عليه.
* وضع مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجماعة، ولتحقيق ذلك، فإن المجلس :
- يحدد برنامج تجهيز الجماعة
- يقترح على الإدارة الأعمال الواجب القيام بها للنهوض بتنمية الجماعة.
* يقرر إحداث وتنظيم المصالح العمومية الجماعية وتدبير شؤونها.
* يحدد شروط المحافظة على الملك الغابوي واستغلاله واستثماره.
* يبدي رأيه كلما استوجبت ذلك القوانين والأنظمة أو كلما طلبته الإرادة...(1).
ثم جاء الميثاق الجماعي الجديد الذي نص في م 35 على أن المجلس الجماعي يفصل بمداولاته في قضايا الجماعة، ويتخذ لهذه الغاية، التدابير اللازمة لضمان تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبمقتضى هذه المادة قسمت اختصاصات المجلس الجماعي الحضري والقروي إلى ثلاث أصناف، وهي الاختصاصات الذاتية والاختصاصات القابلة للنقل من الدولة إلى الجماعات، والاختصاصات الإستشارية، وحددت لأول مرة حسب الميادين التالية :
أ – الاختصاصات الذاتية :
* المالية والجبايات والأملاك الجماعية : يقوم المجلس الجماعي في هذا الصدد بدراسة الميزانية والحسابات الإدارية، ويصوت عليها حسب الشروط والشكليات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل، (ولأهمية هذا الجانب، ارتأينا أن نخصص له مطلبا ثانيا لنتطرق إليه بشكل أكثر تفصيلا).
* التنمية الاقتصادية والاجتماعية : في هذا الإطار يدرس المجلس الجماعي مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجماعة، ويصوت عليها طبقا لتوجهات وأهداف المخطط الوطني، كما يقوم بجميع الأعمال الكفيلة بإنعاش وتنمية الاقتصاد المحلي والتشغيل، ولتحقيق ذلك فإن المجلس يضع مجموعة من الإجراءات من بينها :
- يضع برنامج تجهيز الجماعة في حدود وسائلها الخاصة والوسائل الموضوعة رهن إشارتها.
- يقوم بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة.
- يبث في شأن مساهمة الجماعة في المقاولات وشركات الاقتصاد المختلط ذات الفائدة الجماعية، أو ذات الفائدة المشتركة بين الجماعات والعمالات والأقاليم والجهات، وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن هذه التقنية تتيح للجماعة إمكانية الاشتراك مع رساميل خاصة في إنشاء شركة مجهولة خاضعة لقواعد القانون الخاص، وأشكال هذه المساهمة متنوعة : تقديم حصص مالية، شراء أسهم من رأسمال الشركة، تقديم عقارات... مع العلم بأن صيغة الاقتصاد المختلط تقدم من جهة حلا ملائما لمشاكل التمويل، وتعوض الخصاص الحاصل في الوسائل المادية والبشرية، كما تجعل التسيير أكثر ليونة. ومن جهة أخرى فإنها تخول للمجلس مراقبة الشركة بغض النظر عن نسبة مشاركته المالية(1).
* التعمير وإعداد التراب :
- يسهر المجلس على احترام الاختيارات والضوابط المقررة في مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة والتنمية وكل الوثائق الأخرى المتعلقة بإعداد التراب الوطني.
- يدرس ويصادق على ضوابط البناء الجماعية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
- يقرر في إنجاز أو المشاركة في إنجاز برامج إعادة الهيكلة العمرانية، ومحاربة السكن غير اللائق...
* المرافق والتجهيزات العمومية المحلية : يقرر المجلس الجماعي إحداث وتدبير المرافق العمومية الجماعية وتدبير شؤونها "عن طريق الوكالة المباشرة والوكالة المستقلة، والامتياز، وكل طريقة أخرى من طرق التدبير المفوض..." ، ذلك أن التطور السكاني للجماعة يقتضي من المسؤولين الجماعيين المحليين إعداد سياسة مرافق عمومية خاصة تنظر في متطلبات التنمية وفي مستلزمات الحياة اللائقة للمواطن داخل جماعته(2) ونكتفي بذكر ثلاثة أصناف من المرافق العامة الجماعية :
* مرفق الماء والكهرباء : في هذا الإطار ارتفع عدد الوكالات المستقلة للتوزيع التي أثرت بشكل إيجابي على مردودية شبكتي الماء والكهرباء.
* مرفق النقل : يعتبر هذا المرفق حيويا لمجموع السكان نظرا لاتساع المساحات التي تشغلها الأنشطة الاقتصادية المحلية، كما أن إحداث مناطق صناعية بضواحي المدن، وتزايد السكان والهجرة القروية... كلها عوامل عجلت بالاهتمام بهذا المرفق الأساسي.
* مرفق التطهير : يقوم المجلس الجماعي في هذا المجال بدور بالغ الأهمية على مستوى التطهير السائل والصلب.
فضلا عن ذلك، يمكن للمجلس أن يتخذ قرارا بلديا مستمرا ينشر مضمونه بمقر الجماعة وعن طريق وسائل الإعلام المقروءة كالصحف، يذكر في أوله بالظهائر والقرارات الوزيرية والمراسيم والقرارات البلدية المستمرة وبمداولات المجلس التي تتطرق إلى المحافظة على النظافة والوقاية الصحية(1).
الوقاية الصحية والنظافة والبيئة :
يسهر المجلس على حماية الساحل والشواطئ وضفاف الأنهار والغابات والمواقع الطبيعية.
يسهر على الحفاظ على جودة الماء.
يسهر على محاربة جميع أشكال الثلوث..
وفي هذا الإطار يحدث المجلس وينظم المكاتب الجماعية للوقاية الصحية ويصادق على الأنظمة العامة الجماعية للوقاية الصحية والنظافة العمومية، طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
التجهيزات والأعمال الاجتماعية والثقافية :
يساهم المجلس أو يقرر في إنجاز وصاينة وتدبير التجهيزات الاجتماعية والثقافية والرياضية خاصة :
- المراكز الاجتماعية للإيواء ودور الشباب والمراكز النسوية ودور العمل الخيري ومأوى العجزة...
- المركبات الثقافية والمكتبات الجماعية والمتاحف والمسارح...
- يساهم في إنجاز برامج المساعدة والدعم والإدماج الاجتماعي للأشخاص المعاقين وكل الفئات التي توجد في وضع صعب ، وفي تنفيذ برامج محو الأمية...
التعاون الشراكة :
يقرر المجلس إبرام كل اتفاقية للتعاون أو للشراكة من أجل إنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويحدد شروط القيام بالأعمال التي تنجزها الجماعة بتعاون أو بشراكة مع الإدارات العمومية والجماعات المحلية والهيئات العمومية أو الخاصة...، ومما لاشك فيه أن هذا السلوك التعاوني سيحد من الصراعات التي تحصل بين بعض الجماعات، وسيخلق مناخ تآزر في مختلف المجالات، كما سيقلل من حدة الفوارق الجهوية. كما أصبح من حق المجلس إبرام اتفاقيات التعاون أو الشراكة مع جماعات وهيئات أجنبية، الأمر الذي سيضع حدا للجدل الواسع الذي كان يثور حول أحقية الجماعات المحلية المغربية في إبرام اتفاقيات شراكة أو توأمة مع الخارج بدعوى عدم اختصاصها القانوني على اعتبار أن الدولة هي صاحبة وظائف السيادة، وهي وحدها التي تتدخل على المستوى الخارجي(1)
ب – الاختصاصات القابلة للنقل :
يمارس المجلس اختصاصات من الممكن نقلها إليه من طرف الدولة، وتخص المجالات التالية:
إحداث وصيانة المدارس ومؤسسات التعليم الأساسي والمستوصفات والمراكز الصحية..
إنجاز برامج التشجير.
إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة.
حماية وترميم المآثر التاريخية، والتراث الثقافي...
تكوين المنتخبين والموظفين الجماعيين..
ج – الاختصاصات الاستشارية :
بإمكان المجلس أن يقترح على الدولة وعلى الأشخاص المعنوية الأخرى الخاضعة للقانون العام الأعمال الواجب القيام بها لإنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعة.
يبدي رأيه وجوبا حول كل مشروع تقرر إنجازه من قبل الدولة أو أية جماعة أو هيئة عمومية أخرى بتراب الجماعة، إذا كان من شأن تحقيقه أن يرتب تحملات على كاهل الجماعة أو يمس بالبيئة...
من خلال ما سبق يتبين لنا، أن الميثاق الجماعي الجديد، وضح مجموعة من الاختصاصات، وقسمها لأول مرة إلى ثلاثة أصناف، كما حاول تفصيل الاختصاصات القابلة للنقل مبرزا بعضها. كإحداث وصيانة المنشآت المائية الصغيرة، وحماية وترميم المآثر التاريخية، والتراث الثقافي، وتكوين الموظفين والمنتخبين الجماعيين.
أما الاختصاصات الاستشارية فحصرها في إمكانية إبداء الرأي أو تقديم اقتراح من طرف المجلس الجماعي للدولة أو المؤسسات العمومية.
وبموجب هذه المقتضيات أصبح من حق المجلس، أن يبرم اتفاقيات التعاون والشراكة مع الجماعات والهيئات الأجنبية، كما أصبح ئيتدخل في مجالات التعليم الابتدائي والصحة العمومية، ومحاربة السكن غير اللائق...
لكن رغم ذلك، فالملاحظ أن هذا الميثاق الجديد، لم يفلح في توضيح كافة الاختصاصات أو أهمها، في الميادين المختلفة، فالعبارة التي تم تكريسها في :م35، فضفاضة وغامضة، تطرح بالتأكيد مسألة تحديد المقصود "بقضايا الجماعة" فكل ما ينجز فوق تراب الجماعة قد يعد من القضايا الجماعية.
كما أن تقسيم الاختصاصات إلى ثلاثة أصناف لم يساعد في تبيان مضمونها، بحيث بقيت مجموعة من العبارات الغامضة التي لا تسعف على معرفة هذه الاختصاصات في كل الميادين، بالإضافة إلى أنه لم يفرق بين التعاون والشراكة، فأفرد لهما مقتضيات موحدة خاصة في :م 42 مع العلم أن الفرق موجود بينهما. ومن ثمة، نلاحظ أن جل الاختصاصات السابقة تبقى ناقصة وغير شاملة.
المطلب الثاني : الاختصاصات المالية والجبائية للمجلس
إن دور الجماعة في التنمية المحلية وتدبير المرافق الجماعية يتوقف على حجم الموارد المالية التي تدخل خزينتها، بمعنى أن الموارد الجماعية تحكم الانفاق الجماعي.
لكن الأمر لا يتوقف عند حجم الموارد المالية العامة، أو ما يسمى بنظام التمويل الذاتي بل يتعداه إلى نطاق آخر والمتمثل في لجوء الجماعات إلى طلب القروض والإعانات والمساعدات، وتدخل هذه الموارد الغير العادية في إطار ما يسمى "بنظام التمويل الاستثنائي".
من هذا المنطلق، فإن الموارد المالية لأية جماعة سواء كانت هذه الموارد عادية أم استثنائية فهي تعتبر المعيار الأساسي الذي تقاس بواسطته درجة قوة الحكم المحلي لأن مستوى تحرك الجماعة في أي ميدان ومجال تنموي يظل خاضعا لرأسمال الجماعة أي الرصيد المالي(1).
بمقتضى الفصل الثاني من ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية وهيئاتها يعتبر رئيس المجلس الجماعي الآمر بالصرف فيما يخص الجماعات الحضرية والقروية(2).
وطبقا للفصل 17 من نفس الظهير تتضمن موارد الجماعات المحلية كلا من الضرائب والآداءات والواجبات المأذون بتحصيلها بصفة قانونية، وأموال المساعدة والهبات والوصايا، ومداخيل الأملاك، والمساهمات والأداءات والأجور المختلفة عن الخدمات المقدمة، والإعانات التي تمنحها الدولة أو بعض الأشخاص المعنويين، وموارد أخرى مقررة في القوانين والأنظمة(3).
وبالمقابل فإن الجماعة تتحمل نفقات الموظفين والصيانة والأدوات واللوازم وتسديد الأقساط السنوية للاقتراض ونفقات الاستثمار، والبنايات والطرق والتجهيزات ذات المصلحة المحلية والمساهمات ذات الفائدة الوطنية للجماعات المحلية وهذه النفقات تعتبر إلزامية(4).
يعطي قانون التنظيم المالي للجماعات المحلية لسنة 1976 صلاحيات واسعة لها في هذا الميدان بحيث يعتبر المجلس الجماعي مسؤولا عن إعداد وتنفيذ ميزانية الجماعة، إذ يتكلف بإعداد مشروع الميزانية العامة و يتداول فيه خلال دورة أكتوبر ليصبح نافد المفعول في بداية السنة المالية الموالية بعد المصادقة عليه(1).
وإلى جانب مقتضيات الفصل 42 من ظهير 30/9/1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي والذي نص على اختصاصات الرئيس في تنفيذ الميزانيبة ووضع الحساب الإداري، وتحديد بعض الضرائب والأداءات والواجبات (فقرة 3) نص كل من ظهير 30/9/76.
المتعلق بالتنظيم المالي في فصله 2 الفقرة 4 ومرسوم 30/9/76 المتعلق بالمحاسبة الجماعية (الفصل 16) على صفة الأمر بالصرف لرئيس المجلس الجماعي(2).
وحسب الفصل 3 من المرسوم الملكي المؤرخ في 21 أبريل 1967 المتعلق بسن نظام المحاسبة العمومية، هو الشخص المؤهل لرصد أو إثبات أو تصفية أو أمر باستخلاص دين أو أدائه. وحسب الماد 37 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالتنظيم الجماعي المؤرخ في 3 أكتوبر 2002، فإن المجلس:ـ يدرس الميزانية والحسابات الإدارية ويصوت عليها طبقا للشروط والشكليات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل.
- يقرر فتح حسابات خصوصية واعتمادات جديدة ورفع مبالغ و اعتمادات وتحويل اعتمادات من فصل لآخر.
- يحدد في نطاق القوانين والأنظمة المعمول بها، سعر الرسوم، وتعرفة الوجيبات ومختلف الحقوق التي تقبض لفائدة الجماعة.
- يقرر في الاقتراضات والضمانات الواجب منحها.
- يبث في الهبات والوصايا الممنوحة للجماعة.
- يسهر على تدبير الأملاك الجماعية والمحافظة عليها وصيانتها.
- يقوم يتحديد الأملاك العامة الجماعية وترتيبها وإخراجها من حيز الملك العمومي.
- يبت في الاقتناءات والتفويتات والمفاوضات والإكتراءات وكل المعاملات المتعلقة بعقارات الملك الخاص.
- يصادق على جميع أعمال تدبير أو احتلال الملك العمومي الجماعي مؤقتا.
- يقرر في شأن تخصيص أو تغيير تخصيص البنايات العمومية والأملاك الجماعية طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها.