من القروض الصغرى إلى التمويل الأصغر:لم يكن أحد يعرف أن تجربة البنغالي محمد يونس سنة 1978 في بانغلاديش ستحدث ثورة في تحديد المفهوم البنكي للسدادية ولو تعلق الأمر بزبناء بدون ضمانات مادية وجاعلا من بنك الفقراء دليلا دامغا على الأخذ بيد الفئات المعتبرة مقصية من النظام البنكي التقليدي بتشجيعها على تنمية أنشطة مدرة للدخل والمثير أن هذه الفئات أثبتت انخراطها الواعي والتزامها الجدي بشكل جعل التجربة لا حدود لها وأصبحت شغل العديد من الفاعلين في هذا البلد أو ذاك وحظيت بثقة المانحين على أعلى المستويات. لم يكن المغرب في معزل عن هذا
السياق حيث أغنى التجربة وأثبت رياديته فيها وجعل من القروض الصغرى رقما صعبا في معادلة تنمية المقاولات الصغرى ومحاربة الفقر والهشاشة والأهم النهوض بوضعية الفئات المهمشة من اهتمام وخدمات النظام البنكي العادي بالعديد من المراكز الكبرى وحتى القرى والمواقع المعزولة وإيجاد فرص شغل قار ضامن لكرامة العديد من حملة الشواهد بعد انتشالهم من دائرة البطالة. إذا كان هذا المجهود توج بتأسيس مجلس استشاري للقروض الصغرى وهو بمثابة إطار قانوني لتنمية نشاط الجمعيات العاملة في هذا الميدان والذي بلغ تعدادها 13 جمعية, فلم يكن من باب الصدفة أن تختار منظمة الأمم المتحدة المغرب كمكان لتخليد انطلاق السنة الدولية للتمويل الأصغر بعد توالي حدثي إعلان سنة 2005 سنة دولية للتمويل الأصغر ومنح محمد يونس جائزة نوبل للسلام (وليس للاقتصاد) سنة 2006.
التمويل الأصغر والنهوض بالمرأة:
كاد واقع التمويلات الصغيرة أن يلتصق بالمرأة التصاقا وثيقا وأن يكون صفة مرتبطة بها بالنظر لعدد المستفيدات بشكل جعل القائمين على الشأن يحرصون على عدالة تمثيلية الجنسين في القروض الممنوحة. وقد أثبتت النساء أنهن زبونات جادات وجديرات بالثقة الممنوحة لهن بل أكثر من ذلك تمردن إيجابا على واقعهن المعيشي المحكوم بالعقلية الذكورية وأعطين الدليل القاطع على أنهن لسن مجرد ربات بيوت أو حاملات صفة/ إهانة " بدون" الموثقة في بطائقهن الوطنية وأكدن أنهن معيلات الأسر ومقاولات بامتياز فاعلات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأنهن استطعن بذلك أن يكن قذوات لبنات جنسهن على تجاوز كل معيقات الحياة بالجد والعمل وعلى تحسن وضعيتهن وتبوؤهن المكانة اللائقة بعيدا عن الدونية والتهميش مما أكسبهن احتراما لا شك أنه عامل هام في استقرار الأسرة والمجتمع. إن جمعيات التمويل الأصغر لم تكتف بمنحهن القروض فقط بل ساهمت في تكوينهن أبجديات الكتابة والقراءة وتقنيات تسيير مقاولاتهن, وقد تلقت أغلبيتهن حصصا لشرح مضامين مدونة الأسرة طيلة مدة سنة ونصف بحيث تم تعزيز معارفهن وتحسيسهن بحقوقهن وواجباتهن بشكل قوى مداركهن الحقوقية للحفاظ على استقرار الأسر وحمايتهن من أن يذهب مجهودهن سدى أو يتقاعسن, تحت هذه الذريعة, في القيام به على أحسن وجه بشكل يؤثر على إنتاجيتهن حيث بتعزز الثقة يتصاعد جدهن وبالتالي مردوديتهن. ولم تبخل جمعيات التمويل الأصغر بتشجيع العديد من المقاولات الصغيرات من خلال التعريف بتجاربهن وحجز موطأ لهن في المعارض المحلية والدولية لعرض وتسويق منتجاتهن بل ترشيحهن لنيل جوائز تقديرية لمجهوداتهن. ولم يفت اهتمام المسئولين عن الموارد البشرية في هذه الجمعيات إبلاء العنصر النسوي أهمية خاصة في تقلد كل أنواع المناصب دون استثناء الشيء الذي يبين الثقة التي بها المرأة عن جدارة واستحقاق ولا شك أن هذا الوضع المتقدم للمرأة في اهتمامات مؤسسات التمويلات الصغيرة سيسهم في وضع لبنة مجتمع منتج فخور بأمهات الأجيال الصاعدة التي تعد عماده ومستقبله الزاهر والتي حتما وبكل تأكيد بصلاحها يصلح ويزدهر.